21 حزيران /يونيو 2025 يومٌ سيخلد في الذاكرة. في هجومٍ هائلٍ وغير مُبرَّر، إذ شنّت الولايات المتحدة هجوماً مباغتاً على إيران، مُلقِيةً أقوى قنابل غير نووية خارقة للتحصينات استُخدمت على الإطلاق في القتال على منشآت الطاقة النووية الإيرانية. مثّل هذا العمل العدواني استمراراً وتصعيداً للإبادة الجماعية الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة في غزة، ويُهدّد باجتياح الشرق الأوسط بأكمله وإشعال النار في العالم.
حمل الهجوم اسم 'عملية مطرقة منتصف الليل'، وشاركت فيه أكثر من 125 طائرة، بما في ذلك ثماني قاذفات شبح من طراز بي-2 سبيريت على الأقل، مدعومةً بطائرات مقاتلة وناقلات وقود وطائرات استطلاع، في ما كان أكبر عملية هجومية لقاذفات بي-2 في تاريخ الولايات المتحدة.
كان محور الهجوم نشر قنبلة GBU-57A/B الخارقة للذخائر الضخمة (MOP)، وهي قنبلة خارقة للتحصينات وزنها 13.6 طن، وهي أقوى سلاح غير نووي من نوعه على الإطلاق. أُلقيت اثنا عشر قنبلة خارقة للذخائر الضخمة على موقع فوردو لتخصيب اليورانيوم شديد التحصين، وقنبلتان أخريان على موقع آخر. ورافق ذلك إطلاق العديد من صواريخ توماهوك التي بلغ وزنها 2900 رطل، و انهالت على المنشأتين، بالإضافة إلى مجمع أصفهان للأبحاث.
برر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجومه في خطابٍ كاذبٍ قاتلٍ استمر أربع دقائق، ألقاه مساء السبت. أعلن ترامب أن القوات الأمريكية ضربت ثلاث منشآت نووية، مدعياً أنها جزء من 'مشروعٍ مدمرٍ للغاية' زُعم أنه ضروري 'لوقف التهديد النووي' الذي تُشكله إيران.
في الواقع، تُعدّ هذه المواقع جزءاً من برنامج إيران النووي المدني، المُطوّر وفقاً لمعاهدة حظر الانتشار النووي، الخاضع للتفتيش الدولي. لسنوات، قيّمت وكالات الاستخبارات الأمريكية نفسها أن إيران لا تسعى بنشاطٍ لامتلاك أسلحة نووية. ولكن على غرار أكاذيب إدارة بوش بشأن 'أسلحة الدمار الشامل' العراقية، استشهد ترامب مجدداً بتهديداتٍ مُختلقة لتبرير أفعالٍ متهورةٍ للغاية من العدوان غير المُبرر.
تفاخر ترامب بـ'النجاح العسكري المُذهل' للهجوم، الذي كان ينوي توجيه رسالةٍ إلى المنطقة بأسرها، مُعلناً أن 'إيران، المُتنمّرة في الشرق الأوسط، يجب أن تُحقّق السلام الآن'.
إن الإشارة إلى إيران بأنها 'بلطجي الشرق الأوسط' قلبت الواقع رأساً على عقب. فلأكثر من ثلث قرن، كانت الإمبريالية الأمريكية في حالة حرب، ونفذت عمليات تغيير أنظمة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا واليمن. وعلى مدار العامين الماضيين، شنت الحكومة الإسرائيلية حرب إبادة جماعية في غزة بدعم أمريكي مستمر، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء. ما كان هذا سوى بروفة لحملة أوسع نطاقاً من القتل الجماعي.
طالب ترامب الآن بـ'السلام'! بعد أن شنّ ضربة عسكرية غير مبررة ضد دولة ذات سيادة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، وقصد بذلك 'الاستسلام غير المشروط'، كما طالب الأسبوع الماضي، أي تسليم البلاد للهيمنة الإمبريالية المباشرة. يوم الأحد، دعا ترامب صراحةً إلى 'تغيير النظام' في إيران، عقب تهديده الأسبوع الماضي باغتيال آية الله خامنئي.
أعلن ترامب أنه 'على مدى 40 عاماً، أي منذ الإطاحة بالشاه المدعوم من الولايات المتحدة، 'ظلت إيران تردد: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل'، وأعلن أن 'مئات الآلاف في جميع أنحاء الشرق الأوسط... لقوا حتفهم نتيجة مباشرة لمشاعر الكره '. إن المذبحة التي ألقي ترامب باللوم فيها على إيران هي في الواقع نتيجة حروب وتدخلات أمريكية متتالية، تحت حكم الديمقراطيين والجمهوريين، دمرت مجتمعات بأكملها. ليست إيران هي من تسببت في مقتل 'مئات الآلاف' بل الولايات المتحدة.
نُسقت الضربات بشكل مباشر مع الحكومة الإسرائيلية الفاشية، التي تواصل شن هجمات صاروخية على إيران. وكما صرّح ترامب، 'لقد عملنا كفريق واحد ربما لم يعمل أي فريق من قبل بهذه الصورة '. وقبيل تصريحات ترامب، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بياناً أشاد فيه بالغارات الجوية الأمريكية وشكر ترامب، معلناً أنهما ينتهجان سياسة 'السلام من خلال القوة: القوة أولاً، ثم يأتي السلام'. بعبارة أخرى، يجب أن يسبق القتل والإرهاب الاستسلام.
واختتم ترامب بتهديد صريح بمزيد من العنف: 'إما أن يكون هناك سلام، أو ستكون هناك مأساة لإيران... تذكروا، هناك العديد من الأهداف المتبقية'. والخطوة المنطقية التالية في حملة التدمير هذه هي استخدام الأسلحة النووية التكتيكية وهو خيار أعلنت إدارة ترامب مراراً وتكراراً أنه 'ليس مستبعداً'.
أظهر هجوم السبت بوضوح أن الإمبريالية الأمريكية لا تعرف حدوداً ، ولن تتورع عن أي شيء. ما من حدود لإجرامها. ما انتهكت أي حكومة القانون الدولي بهذا القدر من الصراحة والوضوح منذ النظام النازي.
يُعدّ قصف إيران عنصراً أساسياً في حرب عالمية متصاعدة. لا يتعلق الأمر بالتحذير من خطر حرب عالمية جديدة، لأنها بدأت بالفعل. تسعى الإمبريالية الأمريكية إلى حل أزمتها الاجتماعية والسياسية الداخلية المتفاقمة من خلال العدوان العسكري. فباستهدافها إيران، يقود منطق الحرب الإمبريالية حتماً إلى مواجهة مع الصين. يهدف تغيير النظام في إيران إلى ضمان سيطرة مطلقة على الخليج العربي وبحر قزوين ومساحة أوراسيا الأوسع، وهي مناطق غنية بالنفط والغاز وبطرق تجارية حيوية.
أشاد ترامب بالضربات ووصفها بأنها 'نجاح عسكري باهر'، لكنه في الواقع شرع في مسار عمل كارثي ومتهور تماماً. مهما كانت الحسابات قصيرة المدى التي أجراها البيت الأبيض والبنتاغون، فقد شنوا الآن حرباً لا يمكنهم التحكم في عواقبها. لقد زرعوا الريح وسيحصدون العاصفة. وكما حدث مع الحرب على العراق التي شُنت عام 2003، فإن الإمبريالية الأمريكية على موعد مع كارثة، ولكن على نطاق أوسع بكثير.
يبقى أن نرى كيف سترد إيران، وكذلك حلفاؤها المقربون، روسيا والصين. تحرك البرلمان الإيراني لإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي يمر عبره جزء كبير من إمدادات النفط العالمية، وهو إجراء من شأنه أن يدفع أسواق الطاقة العالمية إلى حالة من الاضطراب وقد يؤدي إلى ركود عالمي. لسنوات طويلة، شجعت سلبية الحكومة البرجوازية الإيرانية، التي تميزت بدعواتها إلى التفاوض وتجنب المواجهة المباشرة، الإمبريالية الأمريكية.
مهما كان رد الفعل الفوري لإيران وروسيا والصين، فإن المسألة الحاسمة هي رد فعل الطبقة العاملة العالمية. سيكون التأثير الأبرز والأبعد مدى لهجوم يوم السبت على وعي مليارات البشر في جميع أنحاء العالم. هذا العمل العدواني الإمبريالي أثار بالفعل غضباً جماهيرياً، تم التعبير عنه على جميع منصات التواصل الاجتماعي ومن خلال الاحتجاجات الأولية التي جرت في جميع أنحاء الولايات المتحدة يوم الأحد.
تأتي الحرب على إيران بعد ما قارب عامين من المعارضة العالمية المتزايدة للإبادة الجماعية في غزة. وهي كشفت بما لا يدع مجالًا للشك عن الطابع الإجرامي للسياسة الخارجية الأمريكية. يُنظر إلى الولايات المتحدة بشكل متزايد من قبل مليارات العمال في جميع أنحاء العالم على أنها تحت قيادة حكومة إجرامية تعمل خارج جميع القيود القانونية. أصبحت أسطورة أن الإمبريالية الأمريكية تدافع عن 'الحرية' أو 'الديمقراطية' من الماضي إلى الأبد.
ستُؤجج الحرب الأزمات الاجتماعية والسياسية المُستعرة أصلاً في الولايات المتحدة، وأوروبا، والعالم. إنها فعل نظامٍ تحكمه الأوليغارشية المالية، ولصالحها. وبينما تُنفذ إدارة ترامب عمليات قصفٍ وقتلٍ في الخارج، فإنها تُفكّك الحقوق الديمقراطية في الداخل وتُرسي دكتاتورية سياسية. الحزب الديمقراطي، أي ما يُسمى بالمعارضة، مُشلولٌ ومتواطئٌ، مُشلولٌ بخوفه من الطبقة العاملة ومتواطئٌ مع أهداف الإمبريالية.
تبرز الآن معارضةٌ جماهيرية. فقبل أسبوعٍ واحدٍ فقط من قصف إيران، شارك الملايين في أكبر مظاهراتٍ مُناهضةٍ للحكومة في التاريخ الأمريكي. السؤال ليس ما إذا كانت المعارضة موجودةً، بل كيف يُمكن تنظيمها وتوجيهها وتسليحها بمنظورٍ سياسي؟ يجب تحويل الغضب والاشمئزاز الهائلين اللذين أثارهما القصف إلى حركةٍ سياسيةٍ واعيةٍ للطبقة العاملة، تربط النضال ضد الحرب والدكتاتورية بالنضال ضد الرأسمالية.
الطبقة العاملة هي القوة الاجتماعية التي يجب تعبئتها لوقف الهمجية الإمبريالية. إن الحرب الإجرامية التي شُنّت على إيران ليست انحرافاً، بل نتاج النظام الرأسمالي بأكمله. يجب إيقافها من خلال النضال العالمي الموحد للطبقة العاملة، المنظم عبر جميع الحدود الوطنية.
تدعو اللجنة الدولية للأممية الرابعة وأحزاب المساواة الاشتراكية التابعة لها إلى إنهاء فوري للحرب الأمريكية الإسرائيلية على إيران وتفكيك آلة الحرب الإمبريالية بأكملها. نحث العمال والشباب على تنظيم الاحتجاجات والإضرابات في جميع البلدان.
تُغرق الإمبريالية العالم في الهمجية والإجرام. الأمر لا يتعلق بإصلاح نظام مُفلس، بل بإسقاطه من خلال النضال الواعي والمنظم للطبقة العاملة من أجل السلطة. إن البديل للحرب والديكتاتورية هو الاشتراكية. إن ما نحتاج إليه هو بناء قيادة ثورية جديدة لقيادة هذه الحركة إلى الأمام، وجعل الاشتراكية، أي السيطرة الديمقراطية على الاقتصاد من قبل الطبقة العاملة لصالح البشرية جمعاء ، المبدأ التوجيهي لنظام اجتماعي جديد.