أوضح مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم الخميس أن إدارة ترامب والنظام الإسرائيلي اليميني المتطرف وضعا خططاً مُفصّلة لهجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية. كما أكّد المقال أن أصولًا عسكرية أمريكية، بما في ذلك أسطول من قاذفات بي-2 ، نُشرت في المنطقة في الأسابيع الأخيرة وفقاً لخطة الهجوم المشترك.
ووفقاً لرواية التايمز، ناقش القادة العسكريون والسياسيون الأمريكيون والإسرائيليون خططاً عملياتية لعمليات تتراوح بين غارات كوماندوز سرية، وحملة قصف تستمر أسبوعاً بذخيرة 'خارقة للتحصينات'، مما يُؤكد أن واشنطن على وشك إغراق الشرق الأوسط بأكمله في حرب إقليمية واسعة النطاق ستكون لها عواقب كارثية على ملايين البشر.
كشف المقال، الذي نُشر بأسماء عدد من كُتّاب صحيفة التايمز المقربين من البيت الأبيض والجهاز العسكري والأمني الأمريكي، أن النظام الصهيوني وواشنطن يتشاوران عن كثب منذ أشهر بشأن خطط لتدمير القدرات النووية الإيرانية في هجوم مُقرر في أيار/مايو.
ووفقاً لصحيفة التايمز، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو 'دفع في البداية نحو خيار جمع بين الغارات الجوية وغارات الكوماندوز. كانت الخطة ستكون نسخة أكثر طموحاً بكثير من عملية نفذتها إسرائيل في أيلول/سبتمبر الماضي، عندما حلقت القوات الإسرائيلية بطائرة هليكوبتر إلى سوريا لتدمير مخبأ تحت الأرض استًخدم لصنع صواريخ لحزب الله...'
'بعد تأجيل فكرة الكوماندوز، بدأ المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون مناقشة خطة لحملة قصف واسعة النطاق كانت ستبدأ في أوائل أيار/مايو وتستمر لأكثر من أسبوع. وكانت غارة إسرائيلية العام الماضي دمرت بالفعل أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية روسية الصنع من طراز إس-300. كان من المفترض أن تبدأ حملة القصف بضرب أنظمة الدفاع الجوي المتبقية، مما يتيح للمقاتلات الإسرائيلية مساراً أوضح لضرب المواقع النووية.'
من الواضح أن توقيت نشر التقرير حُدد للتأثير على المحادثات رفيعة المستوى الجارية بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين. بدأت هذه المحادثات نهاية الأسبوع الماضي في عُمان، ومن المقرر أن تستمر غدًا في روما. من المقرر أن يلتقي المبعوث الخاص لترامب، الملياردير ستيف ويتكوف، المضارب العقاري، بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لمناقشة البرنامج النووي الإيراني واحتمال تخفيف العقوبات القاسية التي فرضتها واشنطن على إيران منذ انسحاب ترامب أحادي الجانب من الاتفاق النووي الإيراني المدعوم من الأمم المتحدة في عام 2018.
حدد ترامب مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، وأعلن في العديد من المرات أنه في حال فشل المحادثات، ستهاجم الولايات المتحدة إيران.
هدف مقال صحيفة التايمز الصادر يوم الخميس، الذي استند بالكامل إلى تسريبات استخباراتية، إلى التأكيد على هذا التهديد: إما أن تستسلم إيران لمطالب واشنطن، أو ستواجه هجوماً مشتركاً من الجيشين الأمريكي والإسرائيلي.
على الرغم من أن المقال صيغ على أنه محاولة من ترامب لكبح خطط إسرائيل المُتقدمة لعملية عسكرية كبرى، و أنه أحجم عن شن هجوم على إيران لإتاحة فرصة للدبلوماسية، إلا أن المعلومات المُقدمة تُشير إلى أن الخلافات، إن وُجدت، محدودة للغاية من الناحية التكتيكية. و ذكرت إحدى الفقرات أن نائب الرئيس فانس جادل في إحدى المناقشات بأن 'السيد ترامب لديه فرصة فريدة لإبرام صفقة. وقال السيد فانس إنه إذا فشلت المحادثات، يُمكن للسيد ترامب حينها دعم هجوم إسرائيلي، وفقاً لمسؤولين في الإدارة'.
الحقيقة هي أن الإمبريالية الأمريكية، في عهد الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، تُعدّ منذ سنوات لحرب تغيير نظام تهدف إلى الإطاحة بالنظام البرجوازي الديني في طهران، وإيصال حكومة عميلة إلى السلطة تحت سيطرة واشنطن بالكامل. وتكثّفت الاستعدادات لتنفيذ ذلك بشكل كبير خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، في حين قدّمت الولايات المتحدة، في عهد بايدن ثم ترامب، دعماً ثابتاً للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين. وطوال هذه الفترة، اعتبرت واشنطن العدوان الإسرائيلي على جبهات متعددة في الأراضي المحتلة ولبنان وسوريا وغيرها عنصراً أساسياً في حملة أوسع لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بما يضمن هيمنة الولايات المتحدة على منافسيها في المنطقة الغنية بالطاقة والحيوية استراتيجياً، وعلى رأسها الصين وروسيا.
لقد كان النظام البرجوازي الديني في إيران ممزقاً منذ فترة طويلة بسبب الصراعات الداخلية بين الفصيل 'المعتدل' أو 'الإصلاحي' الذي يسعى إلى التقارب مع الولايات المتحدة والقوى الإمبريالية الأوروبية، والفصيل 'المتشدد' الملتزم بالتحالف الوثيق مع الصين وروسيا.
قاد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حملةً لاستئناف المحادثات مع واشنطن في الأشهر الأخيرة، مدعياً أن انتخاب ترامب ، المعروف بمواقفه المعادية لإيران والمتشدد في الحرب، قد يُتيح مع ذلك فرصةً لتخفيف العقوبات. في نهاية المطاف، أعطى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي، موافقته على إجراء محادثات استكشافية، لكن في الوقت نفسه، واصلت طهران السعي إلى علاقات أوثق مع كل من روسيا والصين، وأجرت محادثات منفصلة معهما بشأن برنامجها النووي.
زار عراقجي موسكو يوم الأربعاء، إذ ورد أنه سلم رسالة من خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إن موافقة المتشددين التقليديين الضمنية على إجراء محادثات مع واشنطن عكست الأزمات الإقليمية والمحلية التي تواجه النظام الديني البرجوازي في إيران. منذ أن شنت إسرائيل مجزرتها ضد الفلسطينيين في تشرين الأول /أكتوبر الأول 2023 بدعم أمريكي، أُضعف حلفاء إيران الرئيسيون في المنطقة ، حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وبشار الأسد في سوريا، بشكل كبير أو أُطيح بهم. كما أُثيرت شكوك جدية حول قدرة إيران على الدفاع عن أراضيها في أعقاب اغتيال إسرائيل للزعيم السياسي لحماس، إسماعيل هنية، أثناء زيارته طهران في تموز/يوليو 2024، وهجمات النظام الصهيوني الصاروخية على أهداف عسكرية رئيسية في إيران أواخر تشرين الأول /أكتوبر.
في الداخل، يُحاصر النظام الإيراني نفسه في دوامة اجتماعية خانقة، إذ تفاقمت التوترات الاجتماعية بفعل التأثير المدمر للعقوبات الغربية. و في كانون الثاني /يناير، أشار تقرير في صحيفة يومية ذات توجه 'إصلاحي' إلى أن 50% من السكان يعيشون تحت خط الفقر البالغ 450 دولاراً شهرياً، وأن العملة الإيرانية، الريال، انخفضت بنحو 30% بين أيلول / سبتمبر 2024 وكانون الثاني/يناير 2025، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المستهلك بشكل أكبر.
لا تستبعد هذه العوامل بأي حال من الأحوال احتمال فشل المحادثات الثنائية. وكما أوضح مقال التايمز، فإن ترامب ومستشاريه، بعيداً عن استبعاد العمل العسكري، لكن قرروا تأجيله مؤقتاً. و هدد الرئيس ذو التوجه الفاشي مرارا ًوتكراراً بـ'إبادة' إيران. ففي ظل الأزمة الاجتماعية والسياسية المتصاعدة في الولايات المتحدة، مع تزايد المعارضة الشعبية لتوجه ترامب نحو الديكتاتورية، فإن اللجوء المفاجئ واليائس إلى الحرب مع إيران لتحويل التوترات الاجتماعية إلى الخارج هو احتمال حقيقي.
إن الاحتمال الوشيك لهجوم عسكري مدمر ، الذي تم توضيحه الآن في مقال التايمز ، قد يعزز القوى داخل النظام الإيراني الداعية إلى موقف أكثر تشدداً تجاه الغرب، بقدر ما يعزز القوى الداعية إلى التقارب. وسيبقى خطر الهجوم العسكري قائماً إذا رضخ النظام لمطالب ترامب الشاملة بفرض قيود أكثر صرامة على البرنامج النووي المدني الإيراني مما ورد في الاتفاق النووي السابق لعام 2015. علاوة على ذلك، أشارت إدارة ترامب إلى أن أي اتفاق يجب أن يتضمن أيضاً قيوداً على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ، الذي يُعد بلا شك أهم رادع لصالح طهران ضد أي هجوم أمريكي.
تم الاتفاق على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والمعروف أيضاً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا) وألمانيا. سمح قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي نفذ الاتفاق بما يسمى 'إعادة فرض' عقوبات الأمم المتحدة على إيران إذا اعتبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية طهران 'غير ملتزمة' بالاتفاق أو إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد بحلول أكتوبر 2025. ونظراً للحرب المستمرة بين الولايات المتحدة وحلف الناتو ضد روسيا في أوكرانيا وحرب ترامب التجارية مع الصين، يبدو أن هناك احتمالاً ضئيلاً لموافقة بكين وموسكو على إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران بناءً على طلب القوى الغربية.
ففي السنوات الأخيرة، برزت الصين كأهم عميل لإيران فيما يتعلق بصادراتها النفطية، ويرجع ذلك جزئياً إلى قدرة بكين على تنظيم التجارة باليوان لتجنب العقوبات الأمريكية. أُضفي طابع رسمي على التعاون الاقتصادي من خلال اتفاقية شراكة مدتها 25 عاماً، والتي قيل إنها ألزمت الصين باستثمار 400 مليار دولار في إيران مقابل إمدادات ثابتة من النفط بأسعار منخفضة. كما توطدت علاقة طهران بموسكو، إذ زودت إيران روسيا بطائرات بدون طيار في حربها في أوكرانيا، وحصلت في المقابل على معدات دفاعية روسية.
أُعلن فيكانون الثاني/ يناير، عن اتفاقية شراكة عسكرية بين البلدين. ونتيجةً لذلك، ستعتبر كلٌّ من بكين وموسكو حتماً أي هجوم أمريكي مباشر على البرنامج النووي الإيراني هجوماً على مصالحهما الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة، ناهيك عن أن الصراعات المريرة بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى في أوكرانيا وأوروبا الشرقية ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وعلى الصعيد الاقتصادي، قد تتصاعد بسرعة إلى حرب شاملة.
فبالنسبة للإمبرياليين الأوروبيين، الذين يُشار إليهم باسم 'E3' في سياق المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن التهديد بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة لا يزال أحد الأدوات الدبلوماسية القليلة التي يمتلكونها للتأثير على المحادثات الحالية، التي استبعدهم ترامب منها تقريباً. ففي شهر آذار/ مارس، أصدرت مجموعة الثلاث بياناً مشتركاً مع الولايات المتحدة أدان إيران، بعد أن كشف أحدث تقرير تفتيش ربع سنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن زيادة في كمية اليورانيوم الذي قامت إيران بتخصيبه إلى مستوى نقاء 60%، وهو ما يقل قليلاً عن نسبة 90% اللازمة لبناء سلاح نووي.
وفي حين أن القوى الإمبريالية الأوروبية متفقة جوهرياً مع واشنطن على ضرورة الحد من نفوذ إيران الإقليمي وكبح برنامجها النووي، فإن الخلاف الذي انفتح بين الحلفاء عبر الأطلسي خلال الأشهر الأخيرة بسبب سعي ترامب للتوصل إلى تسوية مع نظام بوتين على أساس تسوية تفاوضية للحرب في أوكرانيا ورسومه الجمركية على القوى الأوروبية يؤكد أنها لا تسعى بالضرورة إلى تحقيق نفس الهدف في التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران. قد يجد الإمبرياليون الأمريكيون والأوروبيون أنفسهم في صراع بشأن المحادثات أو في مواجهة ضربة عسكرية أحادية الجانب من جانب واشنطن بدعم إسرائيلي.
حتى في حال التوصل إلى اتفاق جديد بين الولايات المتحدة وإيران، سيظل خطر اندلاع حرب إقليمية قائماً. إن استسلام طهران للمطالب الإمبريالية الأمريكية من شأنه أن يصعد الصراعات بين واشنطن من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، ويؤدي إلى خوضها بشكل مباشر أكثر فأكثر. و سيستند هذا إلى اتفاقٍ من النظام البرجوازي الديني على تفكيك ما تبقى من التنازلات الاقتصادية والاجتماعية التي مُنحت للطبقة العاملة في أعقاب ثورة 1979، مما يُعرّض الاقتصاد الإيراني لاستغلالٍ همجي من قِبَل رأس المال الأمريكي. وستُفاقم هذه العملية التوترات الاجتماعية الحادة أصلاً في البلاد، مُهددةً بسقوط النظام.
إن السبيل التقدمي الوحيد للخروج من خطر الحرب المحدق في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والكارثة الاجتماعية المتفاقمة التي تواجهها الجماهير الإيرانية، والتي تنتجها مصالح الإمبريالية والقوى العظمى المتنافسة، هو النضال من أجل الاشتراكية. يجب على عمال إيران توحيد نضالاتهم مع نضالات الطبقة العاملة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بغض النظر عن الأصول القومية والإثنية، ومع عمال المراكز الإمبريالية، لبناء حركة عالمية مناهضة للحرب. يجب على هذه الحركة وضع برنامج اشتراكي وأممي للنضال من أجل سلطة العمال، في مواجهة كل من التوجه العدواني للإمبريالية الأمريكية والأوروبية، وإسلاموية وقومية النظام البرجوازي الديني المفلسة.