مساء الخميس، وتحت جنح الظلام، شنّت إسرائيل هجوماً جوياً وصاروخياً واسع النطاق على إيران، مستهدفةً الدفاعات الجوية والمنشآت النووية وكبار القادة العسكريين ومراكز القيادة.
قُتل ما لا يقل عن 78 شخصاً وجُرح أكثر من 300 في أكبر هجوم على إيران منذ الحرب الإيرانية العراقية في العقد التاسع من القرن الماضي. اغتالت إسرائيل ستة علماء نوويين وعشرين من كبار العسكريين، بمن فيهم رئيس أركان الجيش الإيراني والقائد العام للحرس الثوري الإسلامي.
يدين موقع الاشتراكية العالمية بشدة هجوم إسرائيل غير القانوني وغير المبرر على إيران، واصفاً إياه بأنه عمل عدواني إمبريالي صارخ. إن النظام الإسرائيلي الذي يزداد اضطراباً، والذي يرتكب بالفعل إبادة جماعية بحق مليوني شخص في غزة، قد استفزّ الآن عمداً حرباً مع دولة تفوقه بعشرة أضعاف حجم دولته ، الأمر الذي يُنذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأسرها.
إن ادعاء إسرائيل بأنها تصرفت 'دفاعاً عن النفس' ضد برنامج نووي إيراني مزعوم هو خدعة سخيفة وواضحة. من المعروف أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، حصلت عليها في انتهاك للقانون الدولي.
قبل الهجوم، كانت إيران منخرطة في مفاوضات مع البيت الأبيض بشأن برنامجها النووي. ففي الأيام التي سبقت الضربة، أدلت كل حكومة إمبريالية كبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، بتصريحات قالت إنها تعارض هجوماً إسرائيلياً على إيران، ودعت بدلاً من ذلك إلى تسوية تفاوضية.
بل إن الولايات المتحدة ذهبت إلى حد الإعلان عن جولة جديدة من المحادثات مع إيران يوم الأحد قبل ساعات فقط من بدء إسرائيل، بعلم وتواطؤ أمريكيين، في إمطار طهران بالصواريخ. و في غضون 24 ساعة، انتقل البيت الأبيض من التصريح علناً بمعارضته لهجوم إسرائيلي على إيران إلى التباهي به.
عندما سألت صحيفة وول ستريت جورنال يوم الجمعة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عما إذا كانت الولايات المتحدة تلقت 'تنبيهاً مسبقاً' بشأن الهجمات، أجاب: 'تنبيه مسبق؟ ما كان تنبيهاً مسبقاً. فنحن عرفنا ما يجري'.
ففي الواقع، كانت ما يسمى 'المفاوضات' مسرحية خادعة، صُممت لمنح إسرائيل فرصة قتل القادة العسكريين الإيرانيين في منازلهم. وكان من بين المستهدفين والقتلى في الهجوم الإسرائيلي ليلة الخميس كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي شمخاني.
ونقلاً عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، أفاد موقع أكسيوس يوم الجمعة أن 'ترامب ومساعديه اكتفوا بالتظاهر بمعارضة الهجوم الإسرائيلي علناً، ولم يعبروا عن معارضتهم سراً. وادعى أحدهم: 'لقد حصلنا على ضوء أخضر أمريكي واضح'. ويقولون إن الهدف كان إقناع إيران بأنه لا يوجد هجوم وشيك والتأكد من أن الإيرانيين المدرجين على قائمة أهداف إسرائيل لن ينتقلوا إلى مواقع جديدة'.
إن سماح إيران بقتل جزء كبير من قيادتها، على ما يبدو أثناء تواجدهم في مساكن مدنية معرضة لهجمات صاروخية، حتى مع إعلان الصحافة الأمريكية صراحةً عن هجوم إسرائيلي، يُعد إدانةً فادحة للنظام الإيراني. فالنخبة الرأسمالية الإيرانية، المرعوبة من طبقتها العاملة، تسعى جاهدةً للتوصل إلى اتفاق مع القوى الإمبريالية، التي أظهرت التزامها الكامل بتدمير إيران وإخضاعها.
كما كشف هجوم إسرائيل على إيران عن حقيقة موقف القوى الإمبريالية الأوروبية، على الرغم من انتقاداتها الأخيرة لجوانب من الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. وأعلنت الحكومة الألمانية أن نتنياهو أبلغ المستشار ميرز بالهجوم المخطط له. وأصدرت كل من الحكومتين الفرنسية والألمانية بيانات تؤكد 'حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها' وأدانت الضربات الانتقامية التي شنتها إيران.
الهجوم على إيران هو النتيجة المباشرة للجهود الأمريكية الإسرائيلية طويلة الأمد لإنشاء 'شرق أوسط جديد' تحت السيطرة الإمبريالية، التي تكثفت في أعقاب أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وأصبح هذا ممكناً بفضل الدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي الهائل الذي تلقته إسرائيل من الولايات المتحدة لعقود، في ظل الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء.
لطالما خطط البنتاغون والجيش الإسرائيلي ودرسا الحرب لشن هجوم على إيران وبرنامجها النووي، وهو هجوم تعهد ترامب مرارًا وتكرارًا بالموافقة عليه.
ما تقبلت الإمبريالية الأمريكية قط نتائج الثورة الإيرانية عام 1979، التي أطاحت بدكتاتورية الشاه محمد رضا بهلوي، الحليف الرئيسي لأمريكا في الشرق الأوسط. دعمت واشنطن العراق في حربه الهمجية ضد إيران طوال العقد التاسع من القرن الماضي. وحتى مع انقلابها على العراق، بشن حرب في 1990-1991 وغزوه عام 2003 ، ظل تنصيب نظام متحالف مع الولايات المتحدة في طهران هدفاً محورياً.
تُصنّف إيران اليوم مع روسيا والصين وكوريا الشمالية كعقبة رئيسية أمام الهيمنة الأمريكية العالمية، عقبة تُصرّ واشنطن على القضاء عليها بأي ثمن.
والهدف النهائي لهذا الهجوم هو الهيمنة الإمبريالية على الشرق الأوسط، أهم منطقة مُصدّرة للنفط في العالم، وموطن طرق التجارة الحيوية والمنافذ الاستراتيجية، بما في ذلك الخليج العربي. ومن خلال إخضاع إيران، الحليف الرئيسي لكل من روسيا والصين، تهدف الولايات المتحدة إلى تعزيز مكانتها العالمية استعداداً لمواجهة مباشرة مع منافسيها الاستراتيجيين الرئيسيين.
أثبت التاريخ أن الحروب الإمبريالية تؤدي إلى عواقب غير متوقعة وكارثية. فكما أطلق الغزو الأمريكي للعراق العنان لكارثة إقليمية، فإن هجوم إسرائيل على إيران سيُحدث ذلك أيضاً. لن تبقى شعوب الشرق الأوسط مكتوفة الأيدي بينما تُحوّل بلدانها إلى ساحات معارك للهيمنة الإمبريالية.
على الطبقة العاملة العالمية أن تستجيب للحدث من خلال بناء حركة واعية ضد الحرب الإمبريالية والنظام الرأسمالي الذي يُولّدها.
يدعو موقع الاشتراكية العالمية إلى الدفاع عن إيران من عنف الإمبريالية واستعبادها. لكن هذا لا يمكن تحقيقه بدعم من أي حكومة برجوازية. بل يتطلب التعبئة المستقلة للطبقة العاملة في الشرق الأوسط والعالم أجمع، في مواجهة جميع الانقسامات العرقية والدينية، على أساس برنامج اشتراكي ثوري.