العربية
Perspective

سبعة أيام في حزيران /يونيو: انقلاب ترامب التي تكشفت أوراقه

إن نشر الجيش في شوارع لوس أنجلوس، ثاني أكبر مدينة في الولايات المتحدة، يمثل تصعيدًا نوعيًا للانقلاب العسكري المدروس والمستمر الذي تقوده إدارة ترامب. وبينما تُسيّر القوات دوريات في شوارع لوس أنجلوس بذريعة الرد على الاحتجاجات، فإنّ مركز هذه العملية الحقيقي هو البيت الأبيض.

تتشابه هذه الأحداث تاريخياً مع الديكتاتوريات العسكرية الهمجية التي فُرضت في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية في العقد الثامن من القرن الماضي، في تشيلي والبرازيل والأرجنتين وأماكن أخرى، حيث استجابت الحكومات الرأسمالية، العاجزة عن الحكم من خلال المؤسسات القائمة، للأزمات الاجتماعية بالقمع الجماعي والاختفاء القسري والإرهاب. إلا أن الأمر لا يتعلق بإطاحة الجيش بالرئيس، بل بإطاحة الرئيس الحالي بالدستور.

هذا هو الوضع حتى مساء الأحد:

  • أصدر ترامب مساء السبت أمراً بتحويل الحرس الوطني في كاليفورنيا إلى قوة فيدرالية، وهو إجراء عارضه حاكم الولاية، الديمقراطي جافين نيوسوم. وبحلول يوم الأحد، أُرسل ما يقرب من 2000 جندي من فريق لواء المشاة القتالي 79، أكبر وحدة قتالية في الحرس الوطني لجيش كاليفورنيا، إلى المدينة.
  • أعلنت القيادة الشمالية الأمريكية أن حوالي 500 جندي من مشاة البحرية في الخدمة الفعلية مستعدون للانتشار في لوس أنجلس، وهدد وزير الدفاع بيت هيجسيث على وسائل التواصل الاجتماعي بإرسال 'جنود مشاة بحرية في الخدمة الفعلية في كامب بندلتون'. و أشار ترامب مراراً إلى خططه لتفعيل قانون التمرد لعام 1807، الذي منح الرئيس سلطات واسعة لنشر الجيش وفرض الأحكام العرفية فعلياً.
  • وصف ستيفن ميلر، مهندس أجندة الإدارة الفاشية، المظاهرات العفوية والمحلية والسلمية إلى حد كبير بأنها 'تمرد عنيف'، في إشارة واضحة إلى الاستعداد لتفعيل قانون التمرد. وفي الشهر الماضي، أعلن ميلر أن الإدارة 'تدرس بجدية' تعليق أمر المثول أمام القضاء، وهي خطوة من شأنها أن تُلغي فعلياً الضمانات الدستورية الأساسية.
  • تُعدّ الإدارة الأمريكية حملة قمع عنيفة تتجاوز بكثير حملة القمع الهمجية والاعتقالات التي جرت بالفعل. ففي تصريحات لشبكة إن بي سي نيوز يوم السبت، صرّح توم هومان، 'قيصر الحدود'، قائلاً: 'إذا لم يُكبح جماح هذا العنف، فسيموت شخص ما، وهذه حقيقة من حقائق الحياة'.
  • أُلقي القبض على ديفيد هويرتا، رئيس اتحاد عمال الخدمات الدولي في كاليفورنيا، وتعرض للضرب والسجن خلال الاحتجاجات. يُمثل اتحاد عمال الخدمات الدولي في كاليفورنيا 700 ألف عامل في جميع أنحاء الولاية. وهذا مؤشر على القمع الهائل الذي يستهدف الطبقة العاملة بأكملها.
  • يستخدم ترامب وحلفاؤه لغةً أكثر عنفاً وتحريضاً. على وسائل التواصل الاجتماعي، نشر ترامب خطاباً فاشياً وصف فيه المتظاهرين 'اليساريين المتطرفين' بأنهم 'محرضون ومثيرو شغب مدفوعي الأجر في كثير من الأحيان'، و'لن يتم التسامح معهم'. و وصف ترامب حاكم كاليفورنيا، جافين نيوسوم، بـ'الحثالة'، وهدد مسؤولو ترامب باعتقال أي مسؤول حكومي يُعيق عمليات إدارة الهجرة والجمارك.

ما اقتصر ما يحدث على لوس أنجلس. استشهدت افتتاحية في صحيفة نيويورك تايمز بتعليقات ليزا غوتين، المديرة العليا لبرنامج الحرية والأمن القومي في مركز برينان للعدالة، التي أشارت إلى أن أمر ترامب بتفعيل الحرس الوطني أجاز نشر القوات 'في أي مكان في البلاد تحدث فيه أو يُحتمل أن تحدث فيه احتجاجات ضد سلطات الهجرة والجمارك، حتى لو كانت سلمية تمامًا'. أي أنه تحضير لفرض الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد.

صوّر فيلم 'سبعة أيام في حزيران/مايو' لعام 1964 مؤامرة مؤامرة عسكرية سياسية للسيطرة على حكومة الولايات المتحدة. ورغم وجود بعض الاختلافات في تفاصيل الوضع الحالي، إلا أن عملية مماثلة تجري الآن.

سيتبع نشر الحرس الوطني في لوس أنجلس في 7 حزيران/ يونيو، بعد سبعة أيام، عرض عسكري ضخم في واشنطن العاصمة، المقرر إقامته في 14 حزيران /يونيو، يوم عيد ميلاد ترامب. ويشارك في الحدث أكثر من 6600 جندي و150 مركبة عسكرية و50 طائرة هليكوبتر في العاصمة.

من السذاجة الخطيرة الاعتقاد بأن هذه القوات ستغادر عاصمة البلاد بعد نشرها. يُنظم رئيسٌ، و يُنفذ انقلاباً علنياً، و عرضاً عسكرياً في مقر الحكومة. يوم الأحد، وبينما كانت القوات تتجه إلى لوس أنجلوس، توجه ترامب إلى كامب ديفيد في ماريلاند لما وُصف بـ'مُعسكرٍ للزعماء'. خلف أبوابٍ مغلقة، فيما يُستخدم الآن كمركز قيادةٍ آمن، تشاور مع كبار مساعديه وأعدّ المراحل التالية من هجومه.

الأحداث الجارية الآن هي تنفيذٌ لخططٍ طويلة الأمد. سعى ترامب سابقاً إلى نشر الجيش محلياً في تموز /يوليو 2020 رداً على الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد في أعقاب مقتل جورج فلويد على يد الشرطة. في ذلك الوقت، قوبلت مساعيه لتفعيل قانون التمرد بمقاومةٍ من داخل المؤسسة العسكرية نفسها. نأى رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك، الجنرال مارك ميلي، بالجيش عن خطط ترامب، كما أعرب وزير الدفاع مارك إسبر عن معارضته.

استخلص ترامب الدروس من تلك التجربة. وعقد العزم على القضاء على أي مقاومة داخلية لأهدافه الديكتاتورية، لذاعيّن بيت هيجسيث، أحد أبرز الشخصيات الفاشية في إدارته، وزيراً للدفاع. ويمارس هيجسيث الآن سلطةً على القوات المسلحة في وقتٍ تُجهّز فيه للانتشار ليس ضد أعداء أجانب، بل ضد الشعب الأمريكي.

خلال حملة انتخابات عام 2024، أعلن ترامب أنه سيتصرف كديكتاتور منذ 'اليوم الأول'، وشرع في تنفيذ هذا الوعد منذ عودته إلى البيت الأبيض. ففي أول يومٍ له في منصبه، أعلن ترامب 'حالة طوارئ وطنية' ووجّه مستشاريه لإعداد سلسلة من الأوامر التنفيذية، بما في ذلك توصيات بشأن تفعيل قانون التمرد. ومنذ ذلك الحين، فعّل قانون الأعداء الأجانب لعام 1789 لتنفيذ عمليات ترحيل جماعي إلى مجمع السجون الضخم في السلفادور.

اعتمد ترامب، كما هو الحال دائماً، على تواطؤ الحزب الديمقراطي وتقصيره. فرداً على نشر القوات العسكرية في لوس أنجلوس، أصدرت مجموعة من حكام الولايات الديمقراطيين بياناً خجولاً وواهناً، وصفوا فيه تصرفات ترامب بأنها 'إساءة استخدام مُقلقة للسلطة'، وحذروا من أن إرسال مشاة البحرية الأمريكية إلى الأحياء الأمريكية 'يقوض مهمة أفراد جيشنا' و'يُقوّض ثقة الجمهور'.

ما أشار الحكام الديمقراطيون إلى ما يجب فعله لوقف فرض ديكتاتورية الشرطة. وأصروا بدلاً عن ذلك، على ضرورة السماح لأجهزة إنفاذ القانون المحلية، المُشاركة بالفعل بنشاط في القمع من خلال'أداء وظائفها'. وخوفاً من ظهور حركة اجتماعية قوية من القاعدة، يسعى الديمقراطيون ليس إلى وقف الانقلاب، بل إلى احتواء الغضب الشعبي.

ردّ السيناتور بيرني ساندرز عن ولاية فيرمونت بمناشدة المسؤولين الجمهوريين. قال ساندرز على قناة سي إن إن يوم الأحد: 'أود أن أقول إن مستقبل هذا البلد، إلى حد كبير، يعتمد على عدد قليل من الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ، ممن يعرفون أكثر، ويدركون تماماً ما يص عليه الدستور'. وتجنب ساندرز بشكل واضح أي دفاع عن المهاجرين الذين استهدفتهم المداهمات، و ما ذكر شيئاً عن حشد المعارضة الشعبية.

أعربت افتتاحيات إعلامية مختلفة عن قلقها أو معارضتها لنشر ترامب للحرس الوطني واستخدامه للجيش ضد المهاجرين والمتظاهرين. لكن لا أحد منهم مستعد لتوضيح ما يحدث بوضوح بوصفه انقلاب سياسي جارٍ. ما تم توضيح التداعيات، لأن القيام بذلك يتطلب استخلاص استنتاجات حول انهيار الحكم الدستوري وضرورة المعارضة الثورية.

هناك معارضة متزايدة تتطور في جميع أنحاء البلاد. لن تتمكن زمرة حاكمة من العصابات السياسية التي تعمل لصالح أو تخضع لسيطرة الأوليغارشية المليارديرة من ترهيب بلد يزيد عدد سكانه عن 330 مليون نسمة، وله تاريخ حافل بثورتين ديمقراطيتين. ينتشر الغضب إزاء نشر القوات والهجمات على المهاجرين وتدمير الحقوق الديمقراطية. لكن السؤال المحوري ليس ما إذا كانت هناك مقاومة، بل كيف سيتم تنظيم هذه المعارضة وبأي برنامج.

خلال أربعة أشهر ونصف من إدارة ترامب، تصاعدت المعارضة للهجوم على الحقوق الديمقراطية وتصعيد الحرب. يتصاعد الغضب الجماهيري إزاء هجوم الدولة على الجامعات، إذ اعتُقل طلاب وتعرضوا للظلم لمعارضتهم الإبادة الجماعية في غزة.

إن القوة الحاسمة، التي يعتمد عليها الآخرون جميعاً، هي الطبقة العاملة. لا ترى الطبقة الرأسمالية سبيلاً للتقدم إلا من خلال القمع والعنف. هذه الأفعال لا تنبع من القوة أو الثقة، بل من الخوف، الخوف من حركة جماهيرية من القاعدة لا يستطيعون السيطرة عليها. تكمن القوة الحقيقية في المجتمع في الطبقة العاملة، القوة المتمركزة في المصانع وأماكن العمل والبنية التحتية الحيوية للحياة الاقتصادية.

نحذر العمال والشباب من الوقوع في فخ المواجهات المنعزلة مع الشرطة ودائرة الهجرة والجمارك، التي ستصب ببساطة في مصلحة إدارة ترامب. مهما بلغت شجاعة احتجاجات المجتمعات المضطهدة والطلاب الغاضبين، فإن تصفية الحسابات مع إدارة ترامب تتطلب التعبئة العمالية والسياسية للطبقة العاملة.

يدعو حزب المساواة الاشتراكية وموقع الاشتراكية العالمية العمال إلى الرد على انقلاب ترامب المتكشف بعمل جماعي حاسم. يجب أن يصبح كل مصنع ومكان عمل وحي مركزاً لمعارضة منظمة لهذا الهجوم الهائل على الحقوق الديمقراطية.

تزداد ضرورة الإضراب العام وضوحاً، لكن هذا العمل لن يظهر تلقائياً. يجب الإعداد له وقيادته من خلال بناء منظمات ديمقراطية نضالية للطبقة العاملة. لا يمكن إيقاف هذا الهجوم على الحقوق الديمقراطية من خلال المناشدات الأخلاقية أو المناورات القانونية أو الاعتماد على الحزب الديمقراطي وبيروقراطيات النقابات، وكثير منها إما صامت أو متحالف علناً مع برنامج ترامب القومي.

يجب أن تأتي المبادرة من الأسفل. يجب إنشاء لجان قاعدية في كل مصنع ومكان عمل وحي لتهيئة الأرضية للمقاومة الجماهيرية. يجب عقد اجتماعات طارئة في المصانع والمدارس والمكاتب في جميع أنحاء البلاد.

يشكل العمال المهاجرون شريحةً كبيرةً وأساسية من الطبقة العاملة الأمريكية، ويمثل الهجوم عليهم مقدمةً لهجومٍ أوسع نطاقاً ضد الطبقة العاملة بأكملها. تهدف خطوة ترامب لإقامة ديكتاتورية إلى سحق كل معارضةٍ لحكم الأوليغارشية القائمة على الشركات وعلى الطغمة المالية.

الديمقراطية الأمريكية في حالةِ احتضار. ترامب لا يتصرف بمفرده، بل كممثلٍ لأوليغارشية مالية تتجه نحو الفاشية والحرب. لن تكون هناك عودةٌ إلى 'الوضع الطبيعي'. لا يمكن للوضع السياسي أن يتحرك إلا في اتجاهٍ من اثنين: الديكتاتورية أو الثورة.

يجب على كل عاملٍ وطالبٍ وشابٍّ يُدرك خطورة الوضع قراءة هذا البيان ومناقشته والعمل به. شاركوه على وسائل التواصل الاجتماعي، ووزّعوه في المصانع والمستودعات والمدارس والمستشفيات والأحياء. استخدموه كأساسٍ لتنظيم الاجتماعات وتشكيل لجانٍ قاعدية. إذا كنتم توافقون على هذا البيان وترغبون في المشاركة في هذه المعركة، يُرجى تعبئة النموذج أدناه للتواصل مع حزب المساواة الاشتراكية.

Loading